أقلام حرة

المغرب بين ضغوط الداخل وتقلبات الخارج: قراءة في هموم المواطن وآفاق المستقبل

المغرب بين ضغوط الداخل وتقلبات الخارج: قراءة في هموم المواطن وآفاق المستقبل

المواطن في عين العاصفة

المشهد المغربي اليوم معقد ومتداخل، تتنازعه ضغوط اقتصادية واجتماعية من الداخل، وتقلبات سياسية ومالية من الخارج. المواطن البسيط يجد نفسه في قلب هذه العاصفة: يشتري الخضر بثمن مضاعف، يتابع أخبار الاستثمارات الخليجية بعيون متفائلة وحذرة، يحتفل بانتصارات المنتخب الوطني كفسحة أمل، ويتأمل في احتجاجات نسائية بإندونيسيا أو في صعود بيتكوين كظواهر عالمية قد تمس حياته بشكل أو بآخر. السؤال الجوهري: كيف يمكن لهذا المواطن أن يجد التوازن بين كل هذه المتغيرات؟

1- القدرة الشرائية: مرآة الاقتصاد

أول ما يشغل المغاربة اليوم هو الغلاء. أسعار اللحوم والخضر ومواد أساسية أخرى قفزت إلى مستويات تجعل الطبقات المتوسطة والدنيا في مأزق يومي. الحكومة تقول إنّها تتدخل عبر المراقبة والدعم، لكن الشارع يرد بلسان حاله: “لا نشعر بالفرق”.

القدرة الشرائية ليست مجرد أرقام في تقرير رسمي، بل هي معيار لقياس ثقة المواطن في مؤسساته. حين يفشل المواطن في تأمين غذاء يومي كريم، يصبح أي حديث عن مؤشرات النمو أو جاذبية الاستثمار فاقداً للمعنى. هنا يظهر التناقض بين خطاب رسمي يروج لـ”مغرب صاعد”، وحقيقة يومية تقول: “المائدة صعبة”.

2- الاستثمارات الأجنبية: بين الأمل والقلق

رغم هذا الواقع، تبرز أخبار تبعث على الأمل. الإمارات العربية المتحدة أصبحت أكبر مستثمر أجنبي بالمغرب لسنة 2024، بأكثر من 3.1 مليار درهم. هذه الأرقام قد تبدو مبشرة: استثمارات تعني مشاريع، مشاريع تعني فرص عمل، وفرص عمل تعني تخفيف البطالة.

لكن السؤال الذي يطرحه المواطن هو: هل ستصل ثمار هذه الاستثمارات إلى جيوبنا؟ أم أنها ستبقى محصورة في دوائر النخبة والشركات الكبرى؟ هنا تكمن الحاجة إلى سياسات عمومية تضمن توزيعاً عادلاً لعائدات الاستثمار، حتى لا يتحول “المغرب الجديد” إلى مجرد واجهة جميلة تخفي خلفها اتساع الفوارق الاجتماعية.

3- كرة القدم: لحظة وحدة في زمن الانقسام

وسط هذه الضغوط، يظل المنتخب الوطني مساحة جامعة. مباراة المغرب ضد النيجر في تصفيات كأس العالم ليست مجرد مواجهة رياضية، بل حدث وطني يوقظ في المغاربة شعور الانتماء والفخر.

الكرة في المغرب ليست ” opium du peuple” بالمعنى السلبي، بل متنفس جماعي يتيح للمغاربة لحظة فرح مشتركة. حين يرفع الجمهور العلم ويردد النشيد الوطني، يشعر الفرد أنّه جزء من كيان أكبر، وهو شعور يفتقده في حياته اليومية حيث الغلاء والضغوط تفرق ولا تجمع.

4- العالم من حولنا: انعكاسات مباشرة

العالم لم يعد بعيداً عن المواطن المغربي. صعود بيتكوين إلى أزيد من 110,000 دولار مثلاً قد يبدو خبراً بعيداً، لكنه يثير اهتمام شريحة متزايدة من الشباب المغاربة الذين يرون في العملات الرقمية فرصة للهروب من البطالة والفقر. غير أنّ غياب إطار قانوني منظم يفتح الباب أمام الاحتيال والمغامرة.

من جانب آخر، الاحتجاجات النسائية في إندونيسيا، حيث خرجت نساء بلباس وردي يطالبن بوقف عنف الشرطة، تقدم صورة ملهمة عن قدرة المرأة على التغيير السلمي. في المغرب، قد تجد هذه التجربة صدى في النقاشات حول المساواة والعنف ضد النساء، وتفتح نقاشاً أوسع حول دور المجتمع المدني في صناعة التحول.

5- التحدي الحقيقي: بناء الثقة

إذا جمعنا هذه العناصر كلها، نجد أنّ التحدي الأكبر اليوم ليس فقط اقتصادياً أو اجتماعياً، بل هو تحدي الثقة. المواطن يحتاج أن يثق في أن حكومته تدافع عن مصالحه، أن الاستثمارات ستنعكس على حياته، أن صوت الاحتجاج مسموع، وأن فرح الكرة ليس مجرد لحظة عابرة.

الثقة لا تُبنى بالخطابات ولا بالأرقام، بل بالنتائج الملموسة: انخفاض حقيقي في الأسعار، تحسين جودة التعليم والصحة، توفير فرص عمل كريمة، وحماية حقوق المواطن.

المواطن هو المعيار

بين الغلاء الداخلي وتقلبات الخارج، بين فرحة الملاعب وغضب الأسواق، يبقى المواطن هو المعيار الأول لقياس نجاح أي سياسة أو مشروع.

قدرة المغرب على مواجهة التحديات لن تُقاس بارتفاع الاستثمارات أو بتصنيف دولي، بل بقدرة الأسرة المغربية على العيش بكرامة. إذا استطاعت الدولة أن تترجم كل هذه التحولات إلى تحسين ملموس في حياة المواطن، فسيكون المستقبل واعداً. أما إذا بقيت الفجوة بين الخطاب والواقع، فإنّ المواطن سيظل يعيش في مفارقة يومية بين أمل معلّق وواقع مثقل.

اشترك الآن في القائمة البريدية لموقع الدائرة نيوز _ Dairanews لمعرفة جديد الاخبار