المغرب 2026: نحو انتخابات نزيهة تحت سيادة القانون ورعاية ملكية

في لحظة دقيقة من مسار الإصلاح السياسي بالمغرب، تتجه الدولة – بتكليف ملكي مباشر – نحو إعادة صياغة المشهد الانتخابي على أسس جديدة تقوم على الشفافية، والمساءلة، وسيادة القانون.
بعد عقود من التجاذبات الانتخابية التي أضعفت ثقة المواطن في السياسة، تأتي التوجيهات الملكية الأخيرة لتضع حدًّا لمظاهر الانحراف الانتخابي وتعلن بوضوح أن نزاهة الاقتراع لم تعد خيارًا سياسيًا، بل التزامًا وطنيًا مقدسًا.
1- الخلفية القانونية: قانون المسطرة الجنائية كدرع للشفافية
يأتي تفعيل مقتضيات قانون المسطرة الجنائية كأداة رادعة وفعّالة لمواجهة التجاوزات الانتخابية، في خطوة غير مسبوقة تمثل نقلة نوعية في الرقابة القانونية على الحملات الانتخابية.
ومن أبرز الإجراءات المقرر اعتمادها:
– التنصت الهاتفي المشروع بإذن قضائي لتتبع شبكات شراء الأصوات والتأثير غير المشروع.
– مراقبة التحويلات المالية المشبوهة التي قد تُستعمل في تمويل الحملات.
– الاعتماد على تقارير أعوان السلطة المحلية كوسائل إثبات ميدانية دقيقة لأي تجاوزات.
وبهذه الآليات، يتحول القانون من مجرد نص جامد إلى سيف عدالة فعلي يضمن تكافؤ الفرص بين المرشحين ويمنع التلاعب بإرادة الناخبين.
2- في ضوء الخطاب الملكي: من التصحيح إلى البناء المؤسساتي
أكد جلالة الملك محمد السادس، نصره الله، في خطابه الأخير أن إصلاح المنظومة الانتخابية ضرورة وجودية وليست مجرد إصلاح تقني.
كما شدّد جلالته على:
– الإسراع بإخراج الترسانة القانونية الضامنة للنزاهة والشفافية.
– ربط المسؤولية بالمحاسبة في الممارسة الحزبية والإدارية.
– تعزيز ثقة المواطن في المؤسسات عبر انتخابات نظيفة وشفافة.
هذا التوجه الملكي يحمل دلالات عميقة؛ فهو ينتقل من إصلاح النظام الانتخابي إلى إصلاح الثقافة السياسية ذاتها، ويضع أسسًا جديدة للمواطنة الديمقراطية التي ترتكز على الكفاءة لا على الولاء.
3- رقابة المال الانتخابي: من الملاحظة إلى التجريم
تعمل وزارة الداخلية، بتنسيق مع النيابة العامة والهيئات المالية، على إعداد خطة شاملة لمحاصرة المال الانتخابي عبر:
– تتبع مسارات الأموال المشبوهة وتحليل تدفقاتها البنكية.
– مراقبة استعمال العمل الخيري والإحساني كغطاء للدعاية الانتخابية.
– تجريم استمالة الفئات الهشة بالمساعدات الموسمية أو الوعود الوهمية.
كما يعكس هذا التوجه التطبيق العملي للفصل 36 من الدستور المغربي، الذي يجرّم بشكل واضح كل أشكال الفساد السياسي والمالي، مؤكدًا أن المال وسيلة للتنمية لا وسيلة للسلطة.
4- البعد المجتمعي: إشراك المواطن كضامن للنزاهة
إن إشراك المواطن في الرقابة الانتخابية يمثل تحولًا نوعيًا في الفكر الديمقراطي المغربي.
بالإضافة إلى ذلك، تستعد وزارة الداخلية لإطلاق حملة وطنية تحسيسية واسعة تشمل:
– إعلانات رسمية تحذر من شراء الذمم والتأثير غير المشروع.
– خط هاتفي خاص لتلقي بلاغات المواطنين حول شبهات الفساد الانتخابي.
– تعبئة المجتمع المدني ووسائل الإعلام لمواكبة العملية بعيون مفتوحة.
وبهذه الخطوات، تتوسع دائرة النزاهة لتصبح مسؤولية مشتركة بين الدولة والمجتمع، ويصبح المواطن شريكًا في حماية الديمقراطية لا مجرد ناخب موسمي.
5- دولة القانون تُعيد تعريف العملية الانتخابية
إن المغرب اليوم يقف على أعتاب مرحلة جديدة من الممارسة الديمقراطية.
فالتوجه الحالي ليس مجرد رقابة ظرفية، بل تحول بنيوي في بنية الحكم المحلي والسياسي.
كما أن الهدف الأساسي هو استعادة ثقة المواطن وبناء طبقة سياسية جديدة قوامها الكفاءة والاحترام.
وكل إجراء قانوني، من المراقبة المالية إلى التنصت المشروع، يعكس إرادة ملكية صريحة في جعل القانون هو الحكم الأعلى، ويقطع الطريق أمام من اعتادوا الالتفاف على المساطر أو استغلال الفقر السياسي.
6- انعكاسات التوجه الجديد على الأحزاب وثقة المواطن
هذا التحول القانوني الصارم سيعيد ترتيب المشهد الحزبي من الداخل.
فالأحزاب التي اعتادت اللعب في منطقة الرماد بين الشرعية والمصلحة ستجد نفسها اليوم أمام امتحان الشفافية والمصداقية.
كما لم يعد مقبولًا استغلال الفقر أو الولاءات الضيقة لصناعة تمثيلية زائفة.
وسيكون لذلك أثر مباشر على ثقة المواطن في المؤسسات. فحين يرى المواطن أن صوته لا يُشترى وأن القانون يُطبَّق على الجميع، فإنه يعود إلى صناديق الاقتراع بعقل حر وإرادة مستقلة.
الأحزاب أمام خيارين لا ثالث لهما:
إما أن تنخرط بصدق في الإصلاح وتجدد نخبها وبرامجها.
أو تواجه العزلة والمساءلة في مشهد سياسي لم يعد يتسع للوجوه المكرّرة أو للأساليب الملتوية.
وبهذا، يتحقق ما وصفه جلالة الملك بـ“النقلة النوعية في الحياة السياسية”، أي الانتقال من ديمقراطية الشكل إلى ديمقراطية المضمون.
7- رسالة إلى الأحزاب والمرشحين
إن المرحلة المقبلة لا تحتمل المجاملة ولا التساهل، فزمن التلاعب بالانتخابات أو استغلال هشاشة المواطنين لتحقيق مكاسب سياسية قد انتهى بقرار من أعلى سلطة في البلاد.
الرسالة الملكية واضحة لا لبس فيها:
من يسيء إلى نزاهة العملية الانتخابية، فهو لا يسيء إلى منافسه، بل إلى الوطن نفسه وإلى سمعة الدولة ومصداقية مؤسساتها.
وعليه، على كل حزب وكل مرشح أن يدرك أن القانون هذه المرة لن يكون متفرجًا، وأن أجهزة الرقابة، بتكليف ملكي مباشر، ستتابع كل صغيرة وكبيرة في مسار الحملات الانتخابية، من مصادر التمويل إلى طرق التأثير على الناخبين.
السلطة لم تعد في الشارع ولا في المال ولا في الولاءات المؤقتة، بل في الانضباط للقانون واحترام إرادة المواطن.
ومن يصرّ على خرق القواعد، سيجد نفسه أمام قضاء صارم لا يعرف المحاباة، لأن نزاهة الانتخابات اليوم لم تعد قضية سياسية، بل قضية أمن وطني واستقرار مؤسساتي.
بهذه الصرامة القانونية، وبهذا الوعي الملكي المتجدد، يُراد لمغرب 2026 أن يكون نموذجًا في انتخابات نزيهة تُكرّس الشفافية وتستعيد ثقة الشعب في صناديق الاقتراع، لتبدأ مرحلة جديدة من الإصلاح السياسي القائم على المسؤولية والمحاسبة، تحت شعار خالد:
“لا ديمقراطية بلا نزاهة، ولا نزاهة بلا سيادة القانون.”
اشترك الآن في القائمة البريدية لموقع الدائرة نيوز _ Dairanews لمعرفة جديد الاخبار