المغرب وفرنسا: دروس في السياسة والدبلوماسية على الساحة الدولية

شهدت السنوات الأخيرة تحولات كبيرة في علاقة المغرب بفرنسا، خاصة فيما يتعلق بملف الصحراء المغربية، وهو موضوع محوري في السياسة الخارجية للمملكة. تعامل المغرب مع هذا الملف بحنكة وذكاء، وقدم نموذجًا يحتذى به في إدارة العلاقات الدولية، ما قد يجعل هذه التجربة مرجعًا للدبلوماسيين وطلبة السياسة في المستقبل.
على مدار أربع سنوات، اتبع المغرب سياسة النفس الطويل في تعامله مع فرنسا، بعيدًا عن ردود الفعل المتسرعة. فقد اعتمدت المملكة على رؤية شاملة وهادئة؛ فلم تلجأ إلى سحب السفراء كأداة ضغط، بل حرصت على بناء جسور من التواصل والحوار المثمر. وقد أثمرت هذه الاستراتيجية الدبلوماسية الذكية، حيث تحولت فرنسا -التي كانت مواقفها تميل إلى دعم الجزائر- إلى الاعتراف بمغربية الصحراء، مع إظهار احترام كبير لسيادة المغرب وقيادته.
وبينما يعيد الكثيرون النظر في العلاقات المغربية الفرنسية بسبب التاريخ الاستعماري لفرنسا في المنطقة، إلا أن العلاقات بين البلدين اليوم تتجاوز هذا الإرث. فقد أسفرت الزيارة الأخيرة عن توقيع اتفاقيات تعاون في مجالات متنوعة، من بينها الصناعة والطاقة والتكنولوجيا والصناعات الدفاعية والبحث العلمي، وهو ما يعكس تحقيق المغرب لمكاسب حقيقية تعود بالنفع على مستقبل البلد واقتصاده.
ويُلاحظ أن المغرب اتبع مقاربة تعتمد على مصالحه الاستراتيجية. فحتى في الصفقات الاقتصادية الكبرى، مثل صفقة قطارات “ألستوم”، لم يمنح المغرب هذا الامتياز لفرنسا إلا بشرط تطوير مصنع “ألستوم” في مدينة فاس ليصبح قاعدة صناعية ضخمة، مما يسهم في خلق فرص عمل محلية وتطوير البنية التحتية الصناعية في المغرب.
في نهاية المطاف، نجح المغرب في بناء علاقة مع فرنسا تقوم على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، واستطاع أن يضع حدودًا واضحة أمام أي محاولات لتجاوز سيادته. قد لا تكون هذه العلاقة مثالية، لكنها بالتأكيد تلبي تطلعات المملكة في تحقيق أهدافها السياسية والاقتصادية، وتعكس ذكاء دبلوماسيًا مغربيًا يُحتذى به في إدارة الملفات الصعبة على الساحة الدولية.
اشترك الآن في القائمة البريدية لموقع الدائرة نيوز _ Dairanews لمعرفة جديد الاخبار