مجتمع

من يقف وراء إقصاء الجمعية الوطنية لأسر شهداء ومفقودي وأسرى الصحراء المغربية من حضور الاحتفالات الرسمية (عيد العرش نموذجًا)؟

وأنا أتابع مراسيم الاحتفال الرسمي بعيد العرش، ومراسيم تربع صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة، على عرش أسلافه الميامين، أثارني – بصفتي ابن شهيد الصحراء المغربية – إقصاء هيئة مدنية أنتمي إليها، تعنى بملف ذي أهمية قصوى، ألا وهي الجمعية الوطنية لأسر شهداء ومفقودي وأسرى الصحراء المغربية، من هذه الاحتفالات الرسمية، التي من المفروض – والعادي – أن تكون ضمن المدعوين إليها.

لكن مع هذا الإقصاء أو الإبعاد، وبعد تفكير طويل وتحليل عميق لهذه النازلة – إن لم نقل هذا الخطأ الفادح، سواء أكان عن قصد أو غير قصد – قررت إعادة ترتيب المعطيات وتحليلها، لأتقاسمها مع الرأي العام الوطني، في أفق معرفة مكامن الخطأ أو من له المصلحة في هذا الإقصاء لإطار مهم يلعب دوره الدستوري منذ تأسيسه بتاريخ 13-11-1999.

وقد كان الاسم آنذاك الجمعية الوطنية الاجتماعية لأبناء شهداء ومفقودي الصحراء المغربية، ليتغير في المؤتمر الأول للجمعية سنة 2004، ليصبح: الجمعية الوطنية لأسر شهداء ومفقودي وأسرى الصحراء المغربية.

الكل يعلم علم اليقين أنه بعد المسيرة الخضراء دخل المغرب في حرب مع انفصاليي جبهة البوليساريو المدعومة من طرف الجزائر ودول أخرى آنذاك، وقد خلفت هذه الحرب آلاف الشهداء من كل ربوع المملكة: جنوبًا وشمالًا وشرقًا وغربًا.

وطبيعي أن هؤلاء الشهداء قد تركوا وراءهم أسرًا تعاني. ونعلم جميعًا الظروف السياسية والاقتصادية للمغرب آنذاك، حيث كان الهم الوحيد هو استرجاع الأقاليم الجنوبية للمملكة واستكمال الوحدة الترابية، بأي طريقة، المهم هو استرجاع الأرض.

لكن دون الحديث عن أسر الشهداء ومعاناتهم وآهاتهم، وذلك لاعتبارات عديدة. ولن أخوض في هذا الجانب بقدر ما سأبين أسباب نشأة هذا الإطار، الذي لعب – وما يزال – دورًا مهمًا، من حيث لا تدري بعض الجهات التي تحاربه بكل الطرق وأخبثها.

عاش المغرب بعد المسيرة الخضراء، في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، ظروفًا سياسية صعبة وحربًا مشتعلة بالأقاليم الجنوبية. وأمام انشغال الإطارات السياسية آنذاك في معركتها الوجودية، وانشغال النظام المغربي كذلك بأمور أخرى كان يعتبرها من الأولويات، لم يكن بإمكان الجهات العسكرية أن تهتم بهذه الفئة، إذ كانت لها أولويات شأنها شأن الأحزاب والإطارات المدنية الأخرى.

ومرت السنوات إلى أن ترعرع أبناء الشهداء وبدأت بوادر التغيير تلوح في ربوع المملكة، مع ظهور انفراجات سياسية شجعت أبناء هؤلاء الأبطال المنسيين على الحديث عن معاناتهم وتطلعاتهم وطرحها للعلن، كباقي مكونات الشعب المغربي.

وكان لأبناء الشهداء الذين تمكنوا من التمدرس والوصول إلى مستويات تعليمية محترمة دور في مناقشة ملفهم الحقوقي مع مجموعة من الإطارات السياسية والمدنية آنذاك، لكن اتضح جليًا أن هذه الإطارات لم تكن مستعدة لتبني ملفنا الحقوقي.

وهنا نضجت الفكرة وانطلقت بوادرها من مدينة سيدي سليمان، لتأسيس إطار وطني مختص في هذا الملف. لتصبح هذه التجربة – التي عمرها اليوم 26 سنة – مقرونة باعتلاء صاحب الجلالة الملك محمد السادس العرش، وبداية مسيرة الحداثة والبناء الجديد على كل المستويات.

إن هذه التجربة بكل بساطة هي وليدة معاناة بعيدة كل البعد عن الأيديولوجيات السائدة في تلك الفترة، ولم تكن أبدًا منظمة أو تابعة لأي حزب أو جماعة أو تنظيم.

بل إن كل الإطارات كانت تبتعد عن هذا الملف، ولحدود الساعة فالأمور جد عادية: إطار مدني حقوقي مستقل، يعنى بملف حقوقي صرف، لكنه تم تغييبُه من طرف الجميع عن قصد أو بدون قصد، وكانت النتيجة كارثية على جميع الأصعدة.

بل تم استغلال هذا الملف من أطراف عديدة أساءت للقضية.

لقد أغنت هذه التجربة الحقل المدني المغربي، وكَسرت الأعراف التقليدية له، إذ تم تأسيس إطار وطني في مدينة هامشية – عكس ما كان معمولًا به في تأسيس الجمعيات الوطنية التي كانت تقتصر على المدن الكبرى – وأخذت على عاتقها ملفات كبيرة، مثل الملف الحقوقي لأسر الشهداء، وملف الأسرى المغاربة المعتقلين لدى جبهة البوليساريو والدولة الجزائرية، والترافع عن القضية الوطنية بإمكانيات ذاتية.

كما تتوفر الجمعية على خزانة مهمة ومتنوعة من الندوات المتعلقة بملف الصحراء المغربية، واستطاعت اختراق الإطارات الدولية والصحافة الأجنبية التي كانت تساند الجبهة الانفصالية، مثل منظمة “فرنسا للحريات” سنة 2003 و2004، والصحافة الإسبانية التي كانت داعمة لأطروحة الانفصال.

وقد حققت الجمعية نتائج مهمة لم تحققها حتى بعض الجهات الرسمية والإطارات المدنية المساندة رسميًا في تلك الفترة.

إذن، المتتبع والمسؤول في هذه الحالة كان من المفروض عليه أن يشجع هذه التجربة ويحتضنها، لا أن يحاربها ويشيطنها. وحتى إن ارتكب هذا الإطار أخطاء في فترات متفرقة، فإنها لم تكن أساسية، بل استثناء ناتج عن قصور في التجربة وغياب التأطير.

فدور هذا الإطار مهم، وتواجده في الساحة الوطنية والدولية أهم.

من له المصلحة إذن في إبعاد هذا الإطار الذي يؤدي دوره بدون دعم، وباستقلالية تامة، وبنتائج مهمة؟ وهل تواجد إطارنا يزعج جهات ما؟

فإذا كان صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وحفظه، يترحم على آبائنا الشهداء في خطبه، ويعطي تعليماته السامية من أجل العناية بهذه الفئة وحل مشاكلها، فكيف لا يتم استدعاؤها لمثل هذه المناسبات؟

أظن أن الاحتفال يبقى منقوصًا من عنصر مهم، ألا وهو الممثل لأسر شهداء حرب الصحراء المغربية. والكل يعلم أن هذه الفئة ستكون محط احتفال مستقبلي بعد الطي النهائي لملف الصحراء المغربية.

كما أن النجاحات الكبيرة التي تحققها الدبلوماسية المغربية تحت القيادة الرزينة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، ستبقى غير مكتملة إذا لم يُستدعَ هذا العنصر المهم في كل المناسبات الوطنية ذات الصلة بالقضية الوطنية، لأن الحديث عن القضية الوطنية يحيل مباشرة إلى الحديث عن الشهيد.

فرجاء، أيها المسؤولون المعنيون بهذا الإقصاء – سواء كنتم مدنيين أو عسكريين – أعيدوا حساباتكم، وصححوا ما يمكن تصحيحه في المستقبل القريب، باستدعاء هذا الإطار للمشاركة في كل الأعياد الوطنية، وأن يكون من الأوائل والمكرمين قبل فوات الأوان.

فالجمعية تنبهكم إلى خطأ قاتل، حتى لا يتم استغلاله من طرف أعداء الوطن الذين يتربصون بالفرص.

إن الجمعية هي غصن من تلك الشجرة، شجرة شهداء الصحراء المغربية، الذين سقوا بدمائهم الزكية رمال الصحراء المغربية، ودافعوا عن الثوابت الوطنية.

فلا تجازى الوطنية بهذه الطريقة، طريقة الإبعاد والإقصاء.

بقلم: الحجام إبراهيم
ابن شهيد حرب الصحراء المغربية

اشترك الآن في القائمة البريدية لموقع الدائرة نيوز _ Dairanews لمعرفة جديد الاخبار