العفو الملكي…تجسيد لوحدة الأمة والعدالة بروح مغربية

في كل مناسبة يُعلن فيها عن العفو الملكي بالمغرب، تتجدد مشاعر الفخر والامتنان لدى المواطنين. العفو الملكي ليس مجرد إجراء قانوني، بل هو رمز حي لتواصل الدولة مع مواطنيها، ومرآة لتاريخ طويل من الرحمة والصفاء، وامتداد للقيم الدينية والاجتماعية التي شكلت هوية المملكة المغربية عبر العصور (1).

1- البعد القانوني: صلاحية سيادية وضمان للعدالة

ينص الفصل 58 من دستور 2011 على أن العفو الملكي هو اختصاص حصري للملك، كونه رمز وحدة الأمة وضامن استقلالية القضاء (1).

هذه الصلاحية ليست خرقًا للقانون، بل أداة لضبط التوازن بين العدالة والرحمة. العفو يتيح معالجة حالات خاصة تعجز المساطر القضائية عن التعامل معها، بما يعزز فكرة العدالة الشاملة بين القانون والإنصاف (4).

مقارنة دولية

في فرنسا، العفو الرئاسي أصبح محدودًا ومرتبطًا بإجراءات قضائية محددة.
بينما في المغرب يظل العفو الملكي آلية مرنة وذات بعد إنساني واجتماعي عميق، يعكس خصوصية النظام الملكي كحامي لوحدة الأمة (6).

2- البعد التاريخي: استمرار المؤسسة الملكية ورمز الدولة

منذ عهد محمد الخامس، ارتبط العفو بالتحرير والوحدة الوطنية، ليصبح أداة للمصالحة والتقريب بين مختلف أطياف المجتمع (2).

في عهد الحسن الثاني، استُعمل العفو في محطات استراتيجية لترميم الجراح الوطنية.
أما مع محمد السادس، فقد توسعت ممارسة العفو لتشمل فئات متنوعة، بما يعكس بعدًا إنسانيًا وتنمويًا يساهم في الإدماج الاجتماعي وتعزيز صورة المغرب حقوقيًا على المستوى الدولي (2).

3- البعد الإنساني والاجتماعي: رحلة الأمل والصفاء

العفو الملكي يعيد الأمل لآلاف الأسر المغربية، خصوصًا للمرضى وكبار السن وذوي الظروف الأسرية الصعبة.

هذه الآلية تعكس رؤية ملكية ترى في العقوبة وسيلة للإصلاح لا للانتقام، وتجسد البعد الإنساني للمؤسسة الملكية كحامية للكرامة وراعية للتماسك الأسري والمجتمعي (4).

مقارنة دولية

في بعض الدول الأوروبية، يظل العفو حكوميًا أو قضائيًا بحتًا.
بينما في المغرب، يرتبط العفو الملكي بالرحمة المجتمعية والرمزية الوطنية (6).

4- البعد الديني والقيمي: العدالة برؤية شاملة

العفو الملكي يستند إلى القيم الإسلامية الراسخة في المرجعية المغربية. فالصفح والتسامح من مقاصد الشريعة، ويجسد دور أمير المؤمنين كضامن للقيم الدينية والروحانية (3).

بهذا، يُحقق العفو توازنًا بين العدل والرحمة، ويُحافظ على حقوق المجتمع ومشاعر الضحايا، مقدمًا نموذجًا لكيفية مزج الدين بالقانون لخدمة المصلحة العامة (3).

5- الانعكاسات الخارجية: المغرب نموذج دولة الرحمة والحكمة

آلية العفو الملكي تمنح المغرب صورة إيجابية في المحافل الدولية، كدولة تجمع بين صرامة القانون وقيم الإنسانية.

في وقت قلصت فيه بعض الدول صلاحيات العفو، حافظ المغرب على هذه المؤسسة، مما يعكس غنى تقاليده وثبات مؤسساته الوطنية (5,6).

العفو الملكي في المغرب ليس مجرد تدبير إداري، بل مؤسسة قائمة بذاتها، متجذرة في التاريخ، مستمدة شرعيتها من الدين ومتجسدة في قيم الرحمة والصفح.

إنه عنوان وحدة الأمة ووسيلة لإعادة بناء الثقة، ويظل علامة فارقة في التجربة المغربية، تعكس مكانة المؤسسة الملكية كركيزة للاستقرار والإنسانية والعدالة في آن واحد.

المراجع:

1. الدستور المغربي، 2011، وزارة العدل المغربية، الرباط.

2. الصديقي، محمد. محمد الخامس ودور العفو في المصالحة الوطنية. الدار البيضاء: مطبعة المغرب، 2003.

3. العلوي، عبد الرحمن. المرجعية الدينية في المملكة المغربية. الرباط: المركز المغربي للدراسات، 2015.

4. بنجلون، فاطمة. “آليات العفو الملكي في المغرب: بين القانون والتاريخ”. مجلة الدراسات القانونية المغربية، عدد 12، 2018، ص. 45-68.

5. Smith, John. Royal Pardons in Comparative Perspective. Oxford University Press, 2017.

6. Dupont, Marie. Le pardon présidentiel en France et en Europe. Paris: Editions Dalloz, 2019.

Comments (0)
Add Comment