أخبار دولية

ترامب وبوتين: لغة الجسد تكشف موازين القوة والدبلوماسية الضمنية

ترامب وبوتين: لغة الجسد تكشف موازين القوة والدبلوماسية الضمنية

لقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في ألاسكا بتاريخ 15 غشت 2025 لم يكن مجرد حدث بروتوكولي، بل نافذة تحليلية لفهم توازن النفوذ بين قوتين عالميتين. كل تفصيل، من اختيار ربطة العنق إلى طريقة الجلوس والمصافحة، حمل رسائل دقيقة عن طبيعة العلاقة المعقدة بين واشنطن وموسكو، وعن توازن النفوذ بين قوتين تتصارعان على الزعامة العالمية.
تحليل لغة الجسد يوفر نافذة لفهم الدبلوماسية الصامتة واستراتيجيات القوة بين القادة الكبار.
1. الألوان والرموز: رسائل غير منطوقة
– ترامب: ارتدى ربطة عنق حمراء زاهية، على سبيل المثال، هذا اللون يعتبر رمز الحزم والسيطرة والاندفاع ، ويعكس شخصية تحاول فرض وجودها على المشهد السياسي.
– بوتين: ارتدى ربطة عنق خمري هادئ، مما يعكس الاتزان والحكمة، وبالتالي يبعث رسالة عن القوة الهادئة والتحكم بالذات.
وفقا لنظرية الانطباعات الأولى (First Impressions Theory)، هذه الرموز تؤثر مباشرة في الإدراك السياسي والجماهيري، وتؤثر في توقعات الآخرين وسلوكهم.
كما كان الحال في لقاءات ريغان–غورباتشوف (1985-1988) أظهرت كيف يمكن للون ربطة العنق أن ينقل رسالة رمزية عن الثقة والانفتاح.
2. المصافحة: بين الاحترام والندية
– ترامب: يمد يده للأعلى، في إشارة بروتوكولية للتنازل الظاهري، لكنه يحاول شد يد بوتين نحو جسده لفرض الهيمنة.
– بوتين: يلتزم الثبات، مجسدًا مبدأ القوة الباردة والتحكم النفسي.
وفق علم النفس الاجتماعي (Givens, 2016)، الكف للأعلى يمثل تنازلاً رمزيًا، بينما الثبات المضاد يعكس استراتيجية السيطرة الصامتة. بالمقابل، هذه الديناميكية تتكرر في لقاءات بوتين السابقة حيث اتبع نفس الأسلوب مع مستشارة ألمانيا أنجيلا ميركل في 2007 و2015 ورؤساء آخرين، مؤكّدًا التزامه بالثبات كاستراتيجية نفوذ.
3. الجلوس: ثقة مقابل انفتاح محسوب
– ترامب: يضع يديه في شكل مثلث للأسفل (Steepling gesture)، وبالتالي يعطي إشارة واضحة للثقة والسيطرة.
– بوتين: يجلس بانفتاح مع ميل طفيف للأمام، مزيج من القوة والانفتاح، علاوة على ذلك يعكس استعدادا للحوار مع الحفاظ على الهيبة.
لغة الجسد السياسية Pease & Pease (2004) تؤكد أن الحركات الجسدية ليست عشوائية، بل أدوات دقيقة لإرسال رسائل حول النفوذ والسلطة، خصوصًا في الملفات الحساسة مثل أوكرانيا وسوريا.

كما ظهر خلال اجتماعات بوتين مع قادة فرنسا (نيكولا ساركوزي 2008-2012) وألمانيا (أنجيلا ميركل 2007-2015) واليابان (شينزو آبي 2014-2019)، حيث لوحظ نفس نمط الثبات والانفتاح.
4. التفسير النظري: لعبة النفوذ
– نظرية البروكسيمكس (Hall, 1966): المسافة والتموضع بين القادة تحمل إشارات عن الهيمنة والانفتاح.
– نظرية الألعاب (Game Theory, von Neumann & Morgenstern, 1944): كل حركة جسدية فهي خطوة تكتيكية لاختبار رد فعل الخصم دون تصريح لفظي.
على سبيل المثال، في لقاء ترامب وبوتين هلسنكي 16 يوليو 2018، ظهر الاختبار الرمزي للنفوذ بشكل واضح في كل حركة جسدية.

نتيجة لذلك، اللقاء لم يكن مجرد مجاملة دبلوماسية، بل اختيار دقيق للنفوذ، حيث كل تنازل رمزي يقابل بثبات استراتيجي، ما يجعل تحليل لغة الجسد نافذة لفهم ديناميكيات القوى الكبرى.
5. البعد الإعلامي: الصورة كسردية
وسائل الإعلام العالمية مثل BBC وCNN ركزت على هذه التفاصيل، مستغلة الصور لإثارة التساؤلات:
– هل تحاول واشنطن فرض الهيمنة؟
– أم أن موسكو تثبت مكانتها بالثبات والاتزان؟
في عصر تُقرأ فيه الصور أسرع من الكلمات، تصبح لغة الجسد لغة السياسة الأولى، حيث تتحول كل إيماءة إلى احتمالات تفاوضية وقرارات مستقبلية.
 نافذة على السياسة الصامتة
لقاء ترامب وبوتين كان مسرحا دقيقًا للدبلوماسية الرمزية، حيث تمتزج المجاملة بالاختبار الصامت للنفوذ. بالمقابل، السياسة ليست كلمات فقط، بل إشارات دقيقة يمكن قراءتها لمن يعرف كيف يراها. بالإضافة إلى ذلك، فهم هذه الإشارات يمنح نافذة نادرة على ما يحدث وراء الكواليس في العلاقات الدولية.

في عالم السياسة، الجسد يكشف ماتحجبه الكلمات، ويكشف عن ميزان القوى قبل أي بيان رسمي.

اشترك الآن في القائمة البريدية لموقع الدائرة نيوز _ Dairanews لمعرفة جديد الاخبار