جهات

القنيطرة على شفا الإنهيار: مهزلة المجلس البلدي وإنهيار الثقة

شهدت قاعة المجلس البلدي بالقنيطرة في الأسبوع الأخيرة مشهدًا يُرثى له، حيث تحولت جلسات النقاش إلى صراخ ومشادات حادة، وأصبح الالتزام بالقواعد التنظيمية للجلسات الرسمية مجرد شعار على الورق. ومن هذا الواقع المؤلم ينبثق السؤال الجوهري: كيف يمكن لمجلس منتخب أن ينهار فيه الحوار ويستبدل الصراع بالمصلحة العامة، بينما تبقى ميزانية المدينة ومشاريعها الحيوية رهينة الخلافات الداخلية والصراعات الشخصية؟
إن هذه المهزلة لا تقتصر على سوء التنظيم فقط، بل تكشف عن مسؤولية مباشرة للمنتخبين في تدهور الوضع العام للمدينة. فقد توقفت المشاريع التنموية، وضاعت فرص الاستثمار، وتأثرت الخدمات الأساسية التي تمس حياة حوالي 750 ألف ساكن، مما أدى إلى انهيار الثقة بين المواطن ومؤسسات البلدية. ومن هذا المنطلق، يصبح تحميل المسؤوليات ومحاسبة المتسببين أمرًا لا مفر منه، كما شدد جلالة الملك في خطاباته السامية، مؤكّدًا أن ربط المحاسبة بالمسؤولية هو الضمان الحقيقي لاستقرار الجماعات المحلية وحماية مصالح المواطنين.
1. فوضى المجلس: انهيار الحوار والقيم الديمقراطية
إن انهيار الحوار في المجلس البلدي لا يعكس فقط ضعف التنسيق بين الأحزاب، بل يكشف عن تدهور القيم الديمقراطية والأخلاقية في ممارسة السلطة. فحين تتحول الجلسات الرسمية إلى منابر للتجريح الشخصي والمناكفات السياسية، يصبح المواطن هو الضحية الأولى، إذ تتوقف المشاريع الحيوية، وتتأخر القرارات المصيرية، ويُفقد الثقة بين السكان والمنتخبين.
هذا الانحراف الأخلاقي والسياسي يرتبط بصراعات داخلية حادة داخل الأحزاب، مما يجعل الفوضى نمطًا مستمرًا، ويعرض إدارة المدينة للخطر. وفي ظل هذه الفوضى، يُهدر المال العام، تتعطل الميزانية، وتتعثر المشاريع الأساسية، فيما يزداد المواطنون شعورًا بالإحباط والخذلان من المؤسسات التي يفترض أن تحمي مصالحهم.
2. انتهاك القانون: التجاوز الصارخ للنصوص التنظيمية
ينص القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات الترابية على آليات صارمة لإدارة الاجتماعات والمساءلة القانونية للمنتخبين. ومن أبرز نصوصه:

  • المادة 35: تؤكد وجوب احترام النظام الداخلي للجلسات، وتنظيمها بطريقة تحفظ حقوق الجميع.
  • المادة 46: تحدد آليات مساءلة الأعضاء المخالفين، بما في ذلك التحذير، اللجوء إلى لجان التأديب، أو إحالة المخالفات على القضاء الإداري.
    تجاوز هذه النصوص ليس مجرد مخالفة شكلية، بل خرق قانوني وأخلاقي خطير يستدعي تدخل العامل وفتح تحقيق عاجل لتحديد المسؤوليات، ووضع حد للفوضى التي تهدد مستقبل المدينة. هذه الخطوة ليست خيارًا بل واجبًا ملحًا أمام المواطنين والميزانية العامة والعدالة، وفق ما أكد عليه خطاب جلالة الملك في محوريته حول ربط المحاسبة بالمسؤولية.
    3. أرقام صادمة: البطالة والمشاريع المتوقفة وميزانية في خطر
    تواجه القنيطرة تحديات اجتماعية واقتصادية معقدة، تجعل جودة التسيير المحلي أمرًا حيويًا:
    عدد السكان: حوالي 750 ألف نسمة، مع كثافة سكانية مرتفعة في أحياء محددة.
    نسبة البطالة: تتراوح بين 18% و22%، وفق آخر تقارير المندوبية السامية للتخطيط.
    المشاريع التنموية: العديد منها متوقف أو معرّض للتعثر بسبب الصراعات السياسية أو سوء التدبير، مثل مشاريع التهيئة الحضرية وإعادة تأهيل الأحياء الشعبية.
    تُظهر هذه المؤشرات أن أي فوضى إدارية أو سياسية تؤثر مباشرة على حياة المواطنين اليومية، على الاستثمار، وعلى مستقبل التنمية المحلية، ما يجعل التدخل العاجل ضرورة لا مفر منها.
    4. واجب التدخل: دعوة العامل لفتح تحقيق عاجل وشفاف
    في ضوء ما سبق، يصبح تدخل العامل بصفة عاجلة واجبًا وطنيًا لفتح تحقيق مستقل وشفاف، يحدد المسؤوليات ويضع حدًا للفوضى. ويجب أن يشمل التحقيق:
  • متابعة المخالفات القانونية للأعضاء بكل حزم.
  • مراجعة طريقة إدارة الجلسات والقرارات، لضمان الانضباط واحترام الميزانية.
  • ضمان شفافية القرارات والمشاريع المستقبلية، وإشراك المواطنين في تتبعها، بما يعكس الالتزام بالشفافية المنتظرة.
    5. الأحزاب ووسائل الإعلام والمجتمع المدني: المسؤولية الكبرى
    الأحزاب المشاركة في المجلس تتحمل مسؤولية مباشرة في هذا الانحدار، إذ يظهر:
  • صراعات داخلية تمنع التوافق على المشاريع الحيوية.
  • غياب الرقابة الفعلية على المنتخبين، ما يسمح بانحراف البعض عن القيم الديمقراطية.
  • استخدام المجلس منصة لتصفية الحسابات السياسية بدل خدمة المواطنين.
    كما يقع على وسائل الإعلام وفعاليات المجتمع المدني دور محوري، في نقل المعطيات الحقيقية وممارسة الرقابة الاجتماعية الجريئة، لتعزيز الشفافية واستعادة الثقة بين المواطنين ومؤسسات المدينة. الفشل في هذا الدور يعني استمرار المهزلة على حساب الميزانية العامة والمصلحة العليا للمدينة. القنيطرة على مفترق طرق
    القنيطرة اليوم على مفترق طرق: استمرار الفوضى يعني تآكل أسس الديمقراطية المحلية، تراجع المشاريع التنموية، وفقدان الثقة بين المواطن والمسؤولين.
    ولذلك، فإن دعوة السلطات العليا، من وزارة الداخلية والحكومة والبرلمان، إلى:
  • مراجعة القوانين والآليات التنظيمية بصرامة.
  • تعزيز الشفافية والمساءلة العاجلة.
  • محاسبة المسؤولين عن الخروقات المالية والسياسية والإدارية.
    ليست مجرد توصية، بل ضرورة وطنية عاجلة لضمان استقرار الجماعات المحلية وحماية الديمقراطية في المغرب، استنادًا إلى التوجيهات الملكية السامية، التي شددت على أن خدمة المواطن واحترام المال العام والمساءلة هي المعيار الأول لكل منتخب ومسؤول.

اشترك الآن في القائمة البريدية لموقع الدائرة نيوز _ Dairanews لمعرفة جديد الاخبار